سحر الكلمات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


يهتم منتدانا بالادب والشعر ويساعد على تنمية المواهب ودعمها
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفاح الجنة ـ إبراهيم الدرغوثي قصة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


انثى
عدد الرسائل : 102
العمر : 33
نقاط : 2
تاريخ التسجيل : 02/07/2007

تفاح الجنة ـ إبراهيم الدرغوثي قصة Empty
مُساهمةموضوع: تفاح الجنة ـ إبراهيم الدرغوثي قصة   تفاح الجنة ـ إبراهيم الدرغوثي قصة Emptyالإثنين يوليو 09, 2007 4:41 pm

عصفور يخرج من أنفي

لا تهتموا بي كثيرا . فأنا امرأة أخذت أكثر من حقها . عشت أربعين سنة بعد رحيل زوجي . ترقبت مدية ملك الموت وعريت لها الوريدين من الحد إلى الحد بلا خوف ولا وجل . قلت لعزرائيل في ليالي الشتاء الباردة وأنا أتوسد ذراعي : عندما تطأ أقدامك هذه الغرفة – فأنا متأكدة من أن لعزرائيل أكثر من قدمين – لا تمش على رؤوس أصابعك ، فأنا لا أخافك . حرك فوق رأسي جلجلا، أو فجر قنبلة إن شأت .أريد أن أراك وأنت تقبض روحي وتضعها في قفص صغير ، وتطير بها إلى حيث لا أدري .أريد يا سيدي أن أرى ذلك العصفور الصغير الذي قالوا انه يخرج من أنفي وأنا أفارق الحياة ،ثم أتدثر وأنام إلى الأبد



وبقيت أترقب ، وأعري الوريدين كل ليلة ولكنه لم يأت .قلت لكم قبل قليل لا تهتموا بي كثيرا أيها الأصدقاء ، فحكايتي لا تستحق منكم المتابعة لأنني في الحقيقة أحكيها لنفسي ، فقط لنفسي . ربما سيقول لكم الفاهم كلاما أقرب إلى الحقيقة مما قلته أنا ، وهذا شأنكم أنتم معه لأنني لن أحاكم أحدا هذه المرة ، ولن أطلب منكم أن تكونوا في صفي . فقط أرجوكم لا تقولوا إنني امرأة سكنها الخرف . فوالله إنني عاقلة ومظلومة ولا أستحق كل ما سلطه علي ابني الفاهم وكنتي منجية من عذاب . بالله عليكم لا تقولوا هذه عجوز مجنونة قبل أن تستمعوا إلى كل الحكاية ،ثم حكموا عقولكم وقلوبكم وانبشوا قبري وارموا بجثتي للكلاب إذا رأيتم أنني استحق ذلك ، أو أنصفوني من ابني وترحموا علي يرحمكم الله .
غزالة في الشرك
عندما تغضب أمي مريم مني ، تسب الساعة التي نبت فيها في أحشائها كانت تفعل ذلك وأنا صغير . ولما كبرت ، امتنعت عن السب جهارا ولكنها واصلته في سرها . أنا متأكد من أنها ظلت تسبني إلى آخر رمق في حياتها ، وستظل تسبني وهي ميتة لا محالة .
قالت لي مرة عندما سألتها عن أبي :
أبوك اندقت عنقه قبل أن يترك لك صورة في قعر الذاكرة ، يا ابن ستين كلب . تركني وحدي لهذه الدنيا القحبة وذهب في حال سبيله .
فسكنت الأسواق ، عندما كانت المرأة تذبح إذا ضبطت وهي تنظر للشارع من وراء الأبواب . اشتريت الأقمشة الرخيصة وتاجرت فيها . بعتها للنساء المتحجبات داخل المنازل ، وغاليت في الأسعار . فأنا أقايض كرامتي بفرنكاتهن . وكنت لا أشبع .
أقسم لك بالله ألعلي القدير أن هذه القطعة من حرير الهند .
ولكن ثمنها مرتفع جدا يا مريم .
خذيها وادفعي الثمن بالتقسيط .
لا ، لن أقدر على ذلك ولو بالتقسيط ، فأنت تعرفين بخل زوجي وتقتيره علينا .
وتقول لها أمي : لا يهمك سأتدبر الأمر .
كنت أعرف ما تعنيه بسأتدبر الأمر ، ولكنني لم أكن لأهتم بذلك كثيرا .
أذهب إلى دكان العم الجيلاني لأقول له : أمي تقرؤك السلام وتخبرك بأن الغزالة وقعت في الشرك ، موعدنا الليلة بعد صلاة العشاء ، في سقيفة بني كلاب .
ويدفع عم الجيلاني للمرأة . وتدفع المرأة لأمي . وتدفع لي أمي ثمن الحلاوة الشامية . وتعود إلى الأسواق ، أسواق الرجال لتشتري زجاجات العطر الرخيصة ، والبخور ، وقراطيس الجاوي ، وقوارير العنبر ، والعلكة ، والسواك . وتطرق الأبواب ، أبواب الرجال الفحول والنساء الشريفات العفيفات . وأمي تبادلهن سلعها بسأتدبر الأمر . والموسرون لا يبخلون بالمال على اللحم الطري المدسوس وراء الأبواب المغلقة بسبعة مفاتيح . وأنا أفرق الحلاوة الشامية على أبناء النساء الموطوءات بتدبير أمي ؛ إلى أن صرت أفرق بين الحق والباطل فكفت أمي عن تكليفي بإيصال خبر الغزالة التي وقعت في الشرك إلى الرجال الذين يدفعون ويذهبون إلى السقائف بعد صلاة العشاء .
مريم تداوي العذارى
كم ستدفعين يا أم العروس ؟
مائة فرنك يا خالة ...
مائة مقدما ومائة عندما يلعلع البارود .
وأقبض المائة . أدسها في الصندوق وأطلب من الزائرة أن تعود ليلا مع ابنتها .
ما أحلى هذه البنت . إنها تساوي وزنها ذهبا ولن أعذبها كالأخريات . فقط سأفتح مابين فخذيها برفق ، وأضع إصبعي الوسطى في الباب الحرام . باب الجنة والنار . سأقيس الفتحة وأقول لها : من ذاق من عسيلتك يا صغيرتي ؟ من هد جدارك يا مسكينتي وترك باب دارك مشرعا للريح ؟
يحمر التفاح على خدي البنت وتبكي .
- أطلب الستر يا عمتي . أنا يتيمة ، ووعدني بالزواج ، وأخلف الوعد .
وأفتعل الغضب ، فأحرك إصبعي في الفتحة الواسعة ، وأصرخ في وجهها :
لماذا تركته يفعل بك هذه الأفاعيل يا كلبتي الصغيرة ؟
وعدني خيرا يا عمتي . لحس عقلي . ذوبني في هواه ، وشربني . ولم يترك لي عنوانا .
ويجن جنون الأم فتضرب البنت المنهارة على فمها .تضربها على رأسها . تضربها على بطنها ، وتنتف لها شعرها ، وتدوس تفاح خديها . وتولول :
يا خراب بيتك يا علجية ستصبحين مضغة في الأفواه ...
ويتراءى لها مشهد في أزقة القرية – ابنتها راكبة على ظهر حمار، ووجهها ملطخ بالسخام ، والأطفال يصيحون وراءها ، والنساء الشريفات العفيفات يرمينها بالحجارة من وراء الأبواب ، والرجال الكرام يتفلون على الشرف المهدور – إلى أن تصل إلى المنزل الذي غادرته في العشية على أنغام الطبلة والمزمار .
أنا في عرضك يا أمي مريم ، استريني ، لا تكشفي حالي .
لا تخافي يا ابنتي سأتدبر الأمر .
وأودعها مع أمها لأحضر لها دواء العذارى المفضوضات البكارة : مزيج من دم الغزال المتيبس ، ومسحوق من زهر عرائس الجن المجلوب من أقاصي الصحراء ، والفاسخ والفاسوخ .
وأمشي معها إلى دارها الجديدة . أجلس على الزربية وأركنها إلى الزاوية البعيدة عن الأنوار .
ونظل نترقب العريس .
يصل المسكين مرتبكا . يدخل برجله اليمنى . يبسمل ويفتح الحجاب الذي يغطي وجه العروس فينبهر بالوجه الحسن ،وبرائحة العنبر الفائح من ثيابها ، و بزخارف الحناء علي يديها ورجليها .
وقبل أن أغادر، أطلب منها ، كما اتفقنا في العشية أن تتمنع حين يحاول فتح رجليها ، وأن تطلبني للمساعدة .
نادي أمي مريم يا سيدي لعلها تسكب في قلبي بعضا من بأسها .
ويمتثل الخائف من الفضيحة فيفتح الباب وينادني .
أدخل عليهما كرحمة السماء . وأنظر في عيني الرجل لأقول له :
لا تخف يا ابني فالأمر أبسط مما تتوقع .
وأغمز للعروس أن اطلبي مساعدة اليدين المجربتين .
وتروق الفكرة للرجل فيدس عضوه – في العادة يكون نصف منتصب – بين فخذيها ، فأدس خلطتي السحرية معه . ويسيل دم الغزال . فأطلق زغاريدي ، و العروس تصيح من ألم الذبح المزعوم .
ويرمي العريس بقميص العفة للنساء المتحلقات أمام الباب ، فيختطفنه ليرقصن به في ساحة المنزل .
وتبكي أم العروس فرحا وهي تقبل القميص المضرج بالدم .
ويلعلع البارود فوق السطوح ، فأقبض مائة فرنك أخرى أدسها في صدري ، وأملا حضني بالحلوى وبالضحك المكتوم .
الجمر في سروالي
كنا صغارا . في الليل ، نجتمع في ساحة الحي . نجمع كدسا من الحطب لنشعل فيه النار. نشعل نارا عظيمة نرقص حولها ونحن نغني ، ثم عندما يهدأ اللهب نجلس قريبا من النار. يختلط الأولاد بالبنات والصغار بالكبار ليحكي لنا عزالدين عن الغيلان ، وعن أولاد السلاطين ، وعن الأعراس التي تدوم سبعة أيام وسبع ليال . وتحرض ياسمينة عائشة الصغيرة للذهاب إلى ركن مظلم في الساحة لتلحق بها بعد قليل لتعدها للعريس . تمشط شعرها وتسوي لها ضفيرتين ترمي بهما على صدرها الذي بدأ يعطي بواكيره ، وتبسط الرمل تحت ردفيها وتناديني أن تعال لتأكل من تفاح الجنة . وألبي النداء ، فتفتح لي زر سروالي وترقدني فوق عائشة على كدس الرمل . بعد قليل تضربني على مؤخرتي ، وتطلق زغرودة وتنادي عزالدين لينام مع العروس . وعزالدين مازال يحكي عن الغيلان و- لو لم يسبق سلامك كلامك لأكلت لحمك مع عظامك -، وعن علي بن السلطان الباحث عن التفاح الفواح الذي يعيد للشيوخ شبابهم . فترفض عائشة عزالدين . تخاف من غيلانه ومن أبناء سلاطينه لكن ياسمينة تهددها بفضح أمرها ، فتقبل العروس الصغيرة افتراء الشابة وتنام مع صاحب الغيلان وهي ترتجف .
وتصل أم العروس إلى الساحة . تراقب المشهد مدة ثم تنفخ في النار حتى تعيد لها الحياة . وتأخذ جمرتين . تضع واحدة داخل سروال عزالدين ، وواحدة داخل سروالي . ويهرب صاحب أبناء السلاطين من بين يديها ، وأقع أنا في قبضتها ، فتحك لي الفلفل الحار في عيني وتذهب لتشتكي ياسمينة لأمها وأنا في صياح مجنون :
سامحيني يا عمتي ، لن أنام مرة أخرى مع ابنتك .
وتهدد الأم ياسمينة بإخبار والدها ، فتبكي بين يديها وتقول لها :
كلمي أمي مريم لتبحث لي عن عريس . لقد تزوج كل أندادي ولم أجد سوى الصغار ألعب معهم لعبة الكبار .
ونكبر نحن الصغار كما يكبر أطفال الخرافة . ولا نقدر على النساء فالدفع في المواخير مقدما، وجيوبنا فارغة ، فنذهب للبراري نبحث عن الأتن السائبة نمارس معا الجنس شاهقين حد الانفجار .
لا ، ليس الآن يا عزرائيل
قالوا لي ابنك ينكح الأتن السائبة في البراري ، فضربت أخماسي في أسداسي ومكنته من زوجة صالحة . وطلبت منه أن يملأ الدار صبيانا وبنات .
جاءت البنت الأولى ... والثانية ... وجاءت الخامسة ... ولم يأت الولد .
وجاء الولد الأول ومات بالحصبة . وجاء الثاني ومات بجريان الجوف . وتواصل هطول البنات حتى امتلأت بهن ساحة البيت .. وصارت أمهن كالجرادة.
وعندما جاء الولد كنت قد كرهت الحياة ... صرت لا أقدر على الوقوف ولا على تدبير الرأس . كنت أترقب ابن الزنا هذا لأفرح به . كنت سأقيم له حفل ختان لم تر له البلدة مثيلا ، ولكنه تأخر كثيرا . عاند رغبتي وتأخر في المجيء .. ابن الكلب جاء وأنا أعري كل ليلة لملك الموت عنقي ، وأكشف له عن شراييني المتهتكة فماذا أفعل به ؟
كانت أمه قد أعطت هدايا لكل نساء القرية بمناسبة أفراح الختان ، بيضا وحليبا وشايا وسكرا ونقودا كثيرة سرقتها من خزانتي . كانت كل ليلة تحسب كم صار لها عند النساء من مكتسبات وماذا ستشتري بهذه المكاسب عندما تجمعها يوم الختان . وتحلم بالذهب في عنقها وفي يديها وبالتلفزيون الملون وبالثلاجة والمروحة الكهربائية .
ولكن عزرائيل الذي ترقبته من زمان ، ولم يأت خير أن يحل ركبه في دارنا ليلة الفرح . جاء عندما كنت عازفة عنه . جاء ، ولم يمهلني لحظة واحدة . هكذا كالجراح الماهر المتقن لعمله ، قبض روحي . رأيته يخرج العصفور الصغير من أنفي ويهم بوضعه في القفص ، فطلبت منه أن يمهلني أربعا وعشرين ساعة ، نهارا وليلة فقط لا غير . قلت له ، لا يهم الجسد . خذ روحي ولكن أترك القفص معلقا في سقف البيت . أريد أن أرى كيف ستبكيني العائلة . أحرجته بالإلحاح وببكاء الثكالى ، وبلثم أياديه الكثيرة ، فوافق على أن يعود في الغد .
وجاءت كنتي منجية . دخلت البيت تتفقد لحم الخروف المرصوص في قصعة في ركن من أركان البيت . ثم عن لها أن تكلمني ... نادتني فلم أرد على ندائها – بالطبع فأنا ميتة – وضعت يدها تتحسس جبيني فوجدته باردا ، ورأت عيني مشرعتين وجسمي يابسا . ضربت كفا بكف ، وخمشت خديها ، وعضت أصابعها ... ففرحت قلت المسكينة هزها موتي هزا شديدا. وامتلأت بالزهو والسرور لكن فرحتي لم تدم طويلا فقد سمعتها تقول :
ابنة الكلاب ، لم تجد متى تموت سوى في هذا اليوم . ماذا سأفعل ياربي .ضعت وضاعت نقودي . ضاع كل ما أهديته للنساء بمناسبة ختان أولادهن . ضعت يا منجية . أضاعتك هذه القحبة .
تيبس جسمي أكثر وأنا أسمعها تتحدث عني بهذا الكلام . وخافت روحي . التصقت أكثر بجدار القفص وهي ترتجف . وجاءتني الخواطر كما كانت تجيء وأنا في الدار الفانية . العاهرة . ابنة العاهرة مفضوضة البكارة . داويتها بيدي .رششت بين فخذيها دم الغزال وسترت حالها . قلت أن يتزوج هذه الكلبة خير له من الجري وراء الأتن الجرباء . ضبطتها أكثر من مرة مرفوعة الرجلين في السقائف ، ولم أقل شيئا لذلك الأبله . أعرف أن البنات بناتها وأن لا عين لابني فيهن ولا أنف . كسوتها وكسوت جراءها من مال الرجال الذين يدفعون بعد صلاة العشاء . وها هي الآن تتحسر لأنني مت قبل أن تجمع أموال الزنا الذي فرقته على مومسات هذه القرية الموبوءة .
رأيت منجية تدور في البيت لا تعرف ماذا تفعل ... وكانت أصوات الطبلة والمزمار تصلها حادة ... وكان ضرب أرجل الراقصات على الأرض يستفزها أكثر ، فيزداد هيجانها .
دارت ودارت في البيت ، ثم جثمت فوقي . اقتربت بوجهها من أنفي تتحسس أنفاسي وهي تردد ربما أخذتها سنة من النوم . ربما هي تتناوم قحبة القحاب وستفيق بعد قليل . لكنني ظللت كالخشبة اليابسة ، فزادت مني اقترابا ، وبدأت تناديني بصوت نحاسي ، وتحركني من كتفي بعنف حتى ارتطم رأسي بالأرض أكثر من مرة . ولما تأكدت من موتي ، حركت إصبعها الوسطى في وجهي وقالت : طز فيك أيتها العجوز النجسة . لن أفسد عرس ابني بسبب قردة رائحة إلى جهنم وبئس المصير .
ثم أغلقت باب الدار ، وذهبت ترقص في الحلقة الضاجة بالنساء .
تفاح الجنة
لم أدر بموت أمي إلا ليلا عندما طلبت من منجية أن تعطني عشاءها .
قالت :
أمك ماتت ..
ماذا قلت ؟ أمي ماتت ، متى كان ذلك ؟
في القائلة ..
ولماذا لم تخبريني بذلك ؟
هل تريد أن تفسد عرس ابني لأجل موت أمك ؟
ولم أصدقها . جريت إلى بيتها فرأيتها نائمة على ظهرها ، وعيناها مفتوحتان ، والذباب الأخضر يحوم حولها .
من أخبر هذا الذباب اللعين بموت أمي . هششته عنها وبدأت أناديها :
أمي .. أمي .. أفيقي يا أمي ..
فلم ترد على ندائي .
جلست على ركبتي ووضعت أذني فوق صدرها أتسمع دقات قلبها ، فلم أسمع شيئا . رفعت يدها الثمها ثم تركتها فسقطت على الأرض كقطعة من خشب . أقعيت كالكلب المضروب ، وانتفخ قلبي حتى صار كالكرة المبلولة ، وانفجرت باكيا . بكيت كما كنت أفعل عندما رأيت أول مرة رجلا يأكلها بنهم . يأكل من صدرها ومن وجنتيها . يأكل من فمها ومن فخديها. يلاطفها ويلاعبها . يهارشها ويعنفها . وهي تتأوه وتطلب المزيد . ثم سمعت نهنهتها وبكاءها تحت ثقله ، فوقعت فوق الرجل أضربه بيدي الاثنتين . وهو لا يلتفت لضربي ، فعضضته من كتفه حتى التقت أسناني بعضها بعضا ، وأنا أبكي وأصيح . خار الرجل كالثور وانهد فوق أمي لحظة ثم قام يرفسني برجليه ويسبني بأقذع الألفاظ . فسقطت فوق فخذي أمي المبعثرة فوق الفراش . رأيتها من وراء الدموع تقوم بسرعة لتدفع بالرجل خارج البيت ، ثم تعود لحتضنتني في صدرها مرددة :
لماذا تبكي . اسكت لقد طردت الرجل من بيتنا ولن يعود هنا أبدا .
ولكن أمي ظلت تبكي تحت الرجال . وظللت أبكي في اليقضة والنوم .
بكيت وأنا صاح وبكيت في كوابيسي . وصارت نوبة البكاء تعاودني كلما رأيت صاحب أمي يدخل دارنا خفية مرة وفي وضح النهار مرات ... إلى أن اشترى سكوتي ذات ليلة بقطار من البلاستيك يجري فوق سكة حديد .
وكبرت ، فصرت أترك الدار لأمي وألتقي بعائشة وعزالدين الذي ظل يحكي لنا عن علي بن السلطان والتفاح الفواح والغيلان التي لا تشبع من لحم الآدميين . وعائشة تفتح أزرار سروالي وتقول :
اترك علي بن السلطان يبحث عن التفاح وهاك كل التفاح من فوق صدري .
فآكل من تفاحها ، وأشرب من لبنها ، والحس العسل المصفى من بين فخذيها .
ولا أشبع أبدا .كنت كلما اعتليتها أرفض النزول على أرض الناس ولا أخجل من سوأتي المعروضة للهواء . وعلي بن السلطان يجوب الصحاري ويسلم على الغيلان .- وسلامه يسبق دائما كلامه -. ولماذا يا أمي تموتين الآن ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ وماذا أفعل بلا تقل لهما أف ؟ والجنة تحت أقدام الأمهات . وبالمناسبة هل سيدخل عم الجيلاني الجنة يا أمي ؟ وأنا لا أدري ماذا أفعل ؟
وجدتها ورب البيت ، وجدتها . سأخرج إلى الجميع . الرجال والنساء . النساء الراقصات والرجال السكارى وزوجتي بينهم .سأقول لهم :
- يا جماعة الخير ، دام فرحكم . نحن أصحاب العرس ، نشكر لكم تلبيتكم لدعوتنا . ومع السلامة الآن . سلموا على أهلكم . اتركونا وشكرا .
ولكن قد يعربد السكارى ، وترفض الراقصات ترك الحلبة ، وتتهجم زوجتي على تدخلي في شؤونها ، فماذا أفعل ؟
هل أترجاهم من جديد ؟ زوجتي وجوقتها . أناديها وحدها وأقول لها :
أمي ماتت يا زوجتي العزيزة . والله العظيم ، أمي ماتت ، فلا تفضحيني أكثر في البلد .
ولكنني أعرف أنها بليدة ، ورأسها يابس كرأس البغل ، ولا تفهم بسهولة ، وكلبة ابنة كل كلاب العالم . فماذا أفعل إذا رفضت الانصياع لأمري ؟
آه . أشتكيها للبوليس ...
لكن البوليس سيقول هذه قضية عائلية ولا دخل لنا في هذه الأمور . سيتعلل بقضية عائلية ليرد لها بعضا من جمائلها التي لا تفتأ تقدمها لهم آناء الليل وأطراف النهار .
البوليس إذن قضية خاسرة ، سأشتكيها لأمها . أي والله ، سأشتكيها لأمها ...
ولكن حماتي تكره أمي كره المعافى للمرض . وستقول معها أنها ستخسر كل دراهمها التي دفعتها سلفا للنساء إذا تحول الفرح إلى مأتم .
آه ... أقول للمحتفلين : أمي ماتت والسلام .
كيف لم تخطر ببالي هذه الفكرة . من المؤكد أنهم سيتعاطفون معي .اللعنة .هكذا ننسى دائما الحلول السهلة ونتعب عقولنا بالعسير من الأمور.
ولكن الملعونة قد تقول لهن إنني سكرت وما عدت أعي ما أقول ، وتأمر بحبسي في إحدى الغرف . وستجد لا محالة من ينفذ أوامرها .
ماذا سأفعل يا أمي ؟ لقد ضاقت بي السبل .
عندما رفعت رأسي إلى السقف ، رأيت قفصا معلقا . كان في داخل القفص عصفور صغير لم أر له مثيلا من قبل . عصفور أكبر بقليل من النحلة . ألوانه لا تحصى ولا تعد .ألوان تعشي الأبصار وهي تتحول في كل آن وحين . مددت يدي أهم بالعصفور فلم أجده . وعدت أجلس على الأرض فعاد العصفور إلى مكانه في القفص المعلق قريبا من السقف . فارتبكت وظننت بنفسي الظنون إلى أن انفتح الباب ، فدخل عم الجيلاني يجر وراءه برنسه الحريري ويعطر يديه بماء الورد .
قلت : عم الجيلاني ...
وصرت أرتعش . لقد شاركت في دفن الرجل منذ سنوات خلت . اقترب مني تسبقه لحيته الحمراء المصبوغة بالحناء . كان كلما خطا خطوة نزل بي العمر عشر سنوات إلى أن صرت طفلا يلعب بقطار . ربت الرجل على شعري وقال :
قم يا ولدي . اذهب لتلعب بقطارك مع أصحابك في الشارع .
وضعت القطار تحت إبطي وخرجت ..
عندما التفت وأنا أغادر الدار رأيته يمد يده إلى القفص ، فيخرج منه العصفور الصغير . ورأيته يدس العصفور في أنف أمي . وأظلمت الدنيا في ناظري فما عدت أرى شيئا . صفقت الباب ورائي وهممت بالاندفاع خارج البيت إلا أن زوجتي أمسكتني من تلابيبي . وسمعتها تقول :
ماذا سنفعل الآن بأمك ؟
لم أرد على سؤالها فواصلت :
سوف تسكت حتى ننتهي من الأفراح ، فالوقت شتاء ، وجثتها لن تتعفن .
وأنت متى ستنتهين من جمع نقودك السائبة عند النساء ؟
غدا صباحا بأذن الله .
سأذهب أحفر القبر . سأحفره وحدي فلا تشغلي بالك بي .
وذهبت إلى الجبانة .
حفرت قبرا لأمي وقبرا لقطار عم الجيلاني . وحفرت قبرا ثالثا دفنت فيه ثيابي .
وهمت في الخلاء ... عريانا ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://imane.ahlamontada.com
 
تفاح الجنة ـ إبراهيم الدرغوثي قصة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
سحر الكلمات :: الشعر ولادب-
انتقل الى: